تنزيل كامل الفصل
 
نصوص بيئية نموذجية
العلم الذي لا ينفع
 
نجيب صعب /


العلم الذي لا ينفع كالجهالة التي لا تُضّر. هذه المعادلة، التي تصح في السياسة والاجتماع والاقتصاد، تصحّ أيضاً، وبامتياز، على أوضاعنا البيئية. فليس أسوأ من الممارسة الفوقية التي تضع البحث العلمي خارج اهتمامات المجتمع، إلا تلك النظرة التي تعتبر نتائج البحث العلمي أسراراً لا يجوز الكشف عنها.

نحن لا ندعو الى ما يشبه نظريات«الواقعية الاشتراكية» البائدة، التي ترفض كل فكر وعلم وفن لا يحمل فائدة ملموسة مباشرة. فالابحاث النظرية مهمة جداً، لأنها تفتح الآفاق أمام التطور والابداع. لكننا لا نفهم، مثلاً، أن تُقدَّم دراسة الى مؤتمر عن التنمية المستدامة، موضوعها نسبة السكّر في تمور مزرعة نائية في قرية ما، في حين يتجاهل المؤتمر بحث آثار السحب العشوائي للمياه الجوفية في تصحير المنطقة المحيطة بمكان انعقاده، والقضاء على مئات آلاف الأشجار فيها.

وكم نفاجأ حين تصلنا أبحاث للنشر، من أساتذة جامعيين عرب، تتحدث عن مواضيع من نوع«تلوث الهواء في طوكيو» أو«تدهور الأراضي في الهند»، متجاهلة الأوضاع المتفاقمة عندنا، فكأن أحوال بلداننا البيئية بألف خير. غير أن الأسوأ من هذا الامتناع عن نشر نتائج دراسات موجودة عن أوضاع محلية. فالاطلاع على وضع البيئة في الصين أسهل على المواطن العربي من معرفة أبسط المعلومات عما يحصل حوله، إذ تتعامل مؤسسات كثيرة مع المؤشرات البيئية كأسرار يُمنع كشفها.

كنا قد عرضنا مؤخراً على احدى هيئات البحث العلمي المرموقة، التي تجمع باستمرار مؤشرات حول حالة التلوث في الماء والهواء والتراب، نشر نتائج أبحاثها دورياً لاطلاع الجمهور وصانعي القرار على الأوضاع البيئية المحيطة. غير أن الاتفاق لم يحصل، لأن الهيئة المعنية تخوفت من ردود فعل بعض الصناعات الملوثة والأثر السلبي الممكن على السياحة والتجارة. الهيئة العلمية قررت انها لا تريد تخويف الناس. ولكن كيف يمكن إصلاح الخلل والضغط لوقف الاعتداءات ما لم تُكشف الحقائق؟ وكانت احدى الجامعات منعت أساتذتها من تقديم تقارير عن حالات التلوث خوفاً من الملاحقة القضائية. فأين حصانة العلم؟

أحد الباحثين أرسل لنا موضوعاً للنشر حول دراسة أجراها عن نوعية المياه الجوفية في إحدى المناطق، فأخفى نسب التلوث وأبقى فقط على درجات الحرارة والملوحة. وحين طلبنا منه نشر المعلومات كاملة، لأن المهم هو نوعية المياه لا درجة حرارتها، أجابنا: «هل تريدونني أن أفقد وظيفتي؟ إن نشر الأرقام التي توصلت اليها يحدث فضيحة لن أتحمل مسؤوليتها».

إلا أن الأسوأ هو السماح بنشر معلومات خطيرة، وعدم اتخاذ أية تدابير لمعالجة الوضع. فالكلام عن التدهور البيئي وهدر الموارد والتلوث أصبح في بعض بلداننا عادة شائعة، يتحدث عنها الكتّاب ودعاة البيئة، كما السياسيون، وكأنها أفعال قام بها مجرمون مجهولون أو زوار من كوكب آخر. وكأن الاحتجاج مسموح لتنفيس الغضب، ما دام الفاعل مجهولاً. ذلك أن الفاعل، الممنوع تسميته، هو عادة من زعماء الصناعة أو السياسة أو المال، أو أحد أزلام هؤلاء.

أكاديمية العلوم للعالم النامي دعت في البيان الختامي لاجتماعها في دبي إلى توظيف العلم والتكنولوجيا في خدمة قضايا التنمية في العالم العربي، والمساهمة في إيجاد حلول للمشاكل الملحة مثل ندرة المياه والتصحر وتدهور البيئة البحرية. كما دعت الأكاديمية الحكومات العربية الى تخصيص نسبة واحد في المئة من الميزانيات لدعم البحث العلمي، وهي لا تصل حالياً الى جزء بسيط من هذا. الدكتور فاروق الباز، الذي شارك في اجتماع دبي، حمّل الباحثين العرب جزءاً من المسؤولية، لتقصيرهم في تسويق أبحاث تخدم التنمية وتستجيب لاحتياجات المجتمع. فلا يمكن القبول بنظرية«العلم للعلم» أو«الفن للفن»، كتبرير لنشاط لا هدف له، إذ أن ما يبقى من العلم والفن هي الأعمال ذات البعد الانساني التي تخدم تقدم المجتمع.

هل يمكن أن نحلم بيوم تقدم لنا فيه مؤسسات البحث العلمي نشرة يومية دقيقة عن حالة الهواء والماء والموارد، مثل نشرة الطقس؟ هذا يتطلب قراراً باحترام ذكاء الجمهور واعادة الثقة اليه بالمعلومات الصادرة عن المؤسسات الرسمية. فبعض الناس لا يصدقون حتى درجات الحرارة في نشرة الطقس.


 
 
 
العودة
نشاطات مدرسية
إختبر معلوماتك
مسرحيات
و أغاني
افلام
وثائقية
بوستر
للطباعة
إختبارات بيئية
         
  © Albiaa 2012 By Activeweb ME